الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ***
كتاب الحج الوجوه المذكورة في ترتيب ما تقدم من الكتب تقتضي تأخير الحج إلى هنا ووجه تقديمه على النكاح كون الحج من العبادات المحضة وليس النكاح كذلك ( هو ) لغة : القصد إلى معظم لا مطلق القصد كما ظن ومنه قول القائل وأشهد من عوف حؤلا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا أي يقصدون له معظمين إياه كما في المبسوط والفتح والكسر لغة نجد والفتح لغيرهم وقيل بالفتح اسم وبالكسر مصدر وقيل بالعكس لكن قرئ في التنزيل بهما وهو نوعان : الحج الأكبر حج الإسلام والأصغر العمرة كما في النتف وشرعا ( زيارة مكان مخصوص ) المراد بالزيارة الطواف والوقوف بالمكان المخصوص البيت الشريف والجبل المسمى بعرفات ولو قال قصد مكان لتضمن الشرعي اللغوي مع زيادة إلا أن يقال الزيارة تتضمن القصد وأراد بالمكان جنسه ولذا قاله في الإصلاح هو زيارة بقاع مخصوصة فيعم الركنين وغيرهما كمزدلفة ومثله في البحر ( في زمان مخصوص ) وهو أشهر الحج ( بفعل مخصوص ) وهو الطواف والسعي والوقوف محرما ( فرض ) الحج لقوله تعالى وقال الكرماني على هذا القول فلو لم يحج حتى مات فهل يأثم بذلك فيه ثلاثة أوجه : أحدها أنه لا يأثم بذلك ; لأنا جوزنا التأخير فلم يكن مرتكبا محظورا بعد ذلك والثاني أنه يأثم ; لأنا إنما جوزنا التأخير بشرط السلامة والأداء وهذا أصح الأقوال والثالث إن خاف الفقر والضعف والكبر فلم يحج حتى مات يأثم وإن أدركته المنية فجأة قبل خوف الفوات لم يأثم وأما إذا ظن الموت بالأمارات فيأثم بالفوت اتفاقا ; لأن العمل بدليل القلب واجب عند فقدان غيره . وفي المنح , وينبغي أن لا يصير فاسقا مردود الشهادة على قول أبي يوسف المعتمد بل لا بد أن يتوالى عليه سنون ; لأن التأخير في هذه الحالة صغيرة ; لأنه مكروه تحريما ولا يصير فاسقا بارتكابها مرة بل لا بد من الاحتراز عليها وهذا ظاهر جدا لما تقرر أن الفورية ظنية ; لأن دليل الاحتياط ظني ولو حج في آخر عمره ليس عليه الإثم بالإجماع . ولو حج الفقير ثم استغنى لم يحج ثانيا ; لأن شرط الوجوب التمكن من الوصول إلى موضع الأداء ألا ترى أن المال لا يشترط في حق المكي وفي النوادر أنه يحج ثانيا .
( بشرط ) متعلق بفرض ( إسلام وحرية وعقل وبلوغ ) فلا يفرض على الكافر والعبد ولو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مأذونا له في الحج ولو كان بمكة ولا على الصبي وكذا المجنون فإنه غير مخاطب كالصبي وهو اختيار فخر الإسلام وذهب الدبوسي إلى أنه مخاطب بالعبادات احتياطا . ( وفرضه ) أي فرض الحج الأعم من الركن والشرط كما في القهستاني ( الإحرام ) وهو عبارة عن مجموع النية في القلب والتلبية باللسان وفضل بعضهم ذكر النية باللسان أيضا مع ملاحظة القلب إياها ( وهو شرط ) ابتداء حتى جاز تقديمه على أشهر الحج كالطهارة للصلاة , وله حكم الركن انتهاء حتى لم يجز لفائت الحج استدامته ليقضي به من العام القابل ( والوقوف ) أي الحضور ولو ساعة منذ زوال يوم عرفة إلى طلوع فجر النحر ( بعرفة وطواف الزيارة ) أي الدوران حول البيت في يوم من أيام النحر سبع مرات ( وهما ركنان ) للحج اتفاقا ويقوم أكثر طواف الزيارة مقام الكل في حق الركن . ( وواجبه ) أي الحج ( الوقوف بمزدلفة ) ويسمى جمعا أيضا أي الوقوف بجمع ولو ساعة من بعد صلاة فجر النحر إلى أن يسفر جدا وإنما سميت بفعل أهلها ; لأن الحاج يجمع فيها بين الصلاتين , أو لأن آدم عليه الصلاة والسلام اجتمع مع حواء فيها وازدلف إليها أي دنا وعند الشافعي هو ركن في أحد قوليه وفي الآخر هو سنة ( والسعي ) أي سبع مرات ( بين ) أعلى ( الصفا ) بالقصر . ( و ) أعلى ( المروة ) فيفيد أن صعودهما واجب لجوازه بعد التحلل من الإحرام ولو كان ركنا لما كان كذلك لكن في الكلام إشكال من وجهين : أحدهما أنه لا يجب إلا المشي والثاني أن السعي مسنون في بطن الوادي لا غير كما سيجيء وهما جبلان شرقيان , والأول مائل إلى جنوب البيت والثاني إلى شماله وما بينهما ستة وستون وسبعمائة ذراع كما في القهستاني وعند الشافعي أنه ركن ( ورمي الجمار ) أي رمي سبعين جمرة في أيام النحر والتشريق للآفاقي وغيره وهي عدة حصيات اجتمعت في المناسك وسميت جمرة لتجمرها هناك وإضافة الرمي إلى الجمار لأدنى ملابسة والمعنى رمي الحصاة إلى الجمار والمقصود الأصلي منه اتباع سنة الخليل عليه السلام ; لأنه لما أمر بذبح الولد جاء الشيطان يوسوسه وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يرمي الأحجار طردا له فكان نسكا ( وطواف الصدر ) بالتحريك . وفي النتف أنه سنة وهو مذهب الشافعي والمعنى طواف البيت عند الرجوع إلى مكانه ( للآفاقي ) أي الخارج من المواقيت فلم يجب على المكي إذ لا وداع عليه . وقال أبو يوسف إني أحبه للمكي قال أهل اللغة : الآفاق النواحي والواحد آفق والنسبة إليه آفقي , وأما الآفاقي فمنكر فإن الجمع إذا لم يسم به لا ينسب إليه وإنما ينسب إلى واحده ويمكن أن يقال إن الجمع بالاشتهار وغلبة الاستعمال يأخذ حكم التسمية به فيجوز النسبة إليه بعد ذلك كما في الإصلاح ويمكن أيضا أن يقال : إن الآفاق ليس بجمع حتى وجب رده في النسبة إلى الواحد فعن سيبويه أن الأفعال للواحد . وقال بعض العرب هو إنعام كما في الفائق وغيره تدبر ( والحلق والتقصير ) هو أخذ رءوس الشعر بقدر أنملة عند الخروج عن الإحرام إلا أن الحلق أفضل وقيل : إنه سنة ( وكل ما يجب بتركه الدم ) سيأتي تفصيل الكل إن شاء الله تعالى ( وغيرهما ) أي الفرائض والواجبات ( سنن ) تاركها مسيء ( وآداب ) تاركها غير مسيء وسيجيء تفصيلها إن شاء الله تعالى . ( وأشهره ) أي أشهر الحج التي لا يصح شيء من أفعاله إلا فيها ( شوال وذو القعدة ) بكسر القاف والسكون ويجوز فتحها ( والعشر الأول من ذي الحجة ) بكسر الحاء وحكي فتحها لكن قال المطرزي الفتح لم يسمع وهو المراد في قوله تعالى ( والعمرة سنة ) مؤكدة وقيل فرض كفاية وهو قول محمد بن الفضل البخاري وقيل واجبة لا فرض عين كما قال الشافعي فإن قلت ما جوابك عن قوله تعالى ( والمواقيت ) جمع الميقات وهو مشترك بين الوقت المعين والمكان المعين والمراد هنا هو الثاني ; لأن المراد مواقيت الإحرام أي المواضع التي لا يجاوزها إلا محرما كما في أكثر المعتبرات وهي ثلاث ميقات الآفاقي وميقات أهل الحل وميقات أهل الحرم والمراد هنا هو الأول قال في الغاية لو جاوز الميقات كافر يريد الحج ثم أسلم فلا شيء عليه للمجاوزة بغير إحرام وكذا الصبي ; لأنه ليس بأهل ذكره في الدراية وكذلك الحطابون من أهل مكة إذا جاوزوا الميقات كان لهم دخول مكة بغير إحرام ذكره في الحقائق فالعموم المفهوم من المواضع التي لا يجاوزها إلا محرما ليس بذاك قال ابن حجر : إنه عليه الصلاة والسلام وقتها لأهل الآفاق قبل الفتوح لما علم أنه ستفتح ثم قيل ميقات الحج نوعان : زماني ومكاني أما الزماني فأشهر الحج كما قررناه آنفا وأما المكاني فخمسة الأول ( للمدنيين ) والمدني كالمديني منسوب إلى مدينته عليه الصلاة والسلام ( ذو الحليفة ) بضم الحاء المهملة وفتح اللام على المصغر مكان على أربعة أميال من المدينة وعلى ثلثمائة أميال من مكة فهو أبعد المواقيت إما لعظم أجور أهل المدينة وإما للرفق بسائر الآفاق فإن المدينة أقرب إلى مكة من غيرها ( وللشاميين ) وأهل مصر وغيرهما من أرض العرب ( جحفة ) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة سمي بها ; لأن قوما نزلوا فيها فأجحفهم السيل أي استأصلهم واسمها في الأصل مهيعة قال النووي بينها وبين مكة ثلاث مراحل وعلى ثماني مراحل من المدينة وهي قرية بين المغرب والشمال من مكة من طريق تبوك قيل إن الجحفة قد ذهبت أعلامها ولم يبق منها إلا رسوم خفية فلذا تركها الناس الآن إلى رابغ بالراء والهمزة والغين المعجمة وبعضهم يجعله برابض احتياطا ; لأنه قبل الجحفة بنصف مرحلة أو قريب من ذلك . ( و ) الثالث ( للعراقيين ) والخراساني وأهل ما وراء النهر وأهل المشرق ( ذات عرق ) بكسر العين وسكون الراء أرض سبخة على ستة وأربعين ميلا من مكة وقيل مرحلتان وإنما سمي بها ; لأن فيها جبلا صغيرا يسمى بالعرق . ( و ) الرابع ( للنجديين ) ومن سلك هذا الطريق ( قرن ) بسكون الراء جبل مطل على عرفات بينه وبين مكة نحو مرحلتين وتسميه العرب قرن المنازل قال قائلهم ألم يسأل الربع أن ينطقا بقرن المنازل قد أخلفا وزعم الجوهري أنه بالتحريك فأخطأ وأما أويس القرني فنسبته إلى بني قرن ومن ظن أنه منسوب إلى هذا الميقات فقد سها . ( و ) الخامس ( لليمنيين ) والتهامي وغيرهما ( يلملم ) بفتح الياء واللامين وسكون الميم مكان جنوبي من مكة وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين بمكة وأصله ألملم بالهمزة وحكي يرمرم ( لأهلها ) أي المواقيت لأهل هذه الأمكنة . ( ولمن مر بها ) من خارجها , فإن كان في بر أو بحر لا يمر بواحد من هذه المواقيت المذكورة قالوا عليه أن يحرم إذا حاذى آخرها ويعرف بالاجتهاد وعليه أن يجتهد فإن لم يكن بحيث يحاذي فعلى مرحلتين من مكة كما في الفتح .
هو مصدر أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تهتك والمراد الدخول في الحرمة المخصوصة بالتلبية أو ما يقوم مقامها ( وإذا أراد ) الحاج أو المعتمر ( الإحرام ندب أن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته ) وينتف إبطيه هو المتوارث ( ثم يتوضأ أو يغتسل ) لتحصيل النظافة وإزالة الرائحة الكريهة حتى تؤمر به الحائض والنفساء ولهذا لا ينوب التيمم له عند العجز ; لأنه ملوث فلا يحصل به المقصود ( وهو ) أي الاغتسال ( أفضل ) ; لأنه أبلغ تنظيفا ( ويلبس إزارا ) بلا عقد حبل عليه فإنه مكروه وهو من وسط الإنسان ( ورداء ) من الكتف فيستر به الكتف ويشده فوق السرة , وإن غرز طرفيه في إزاره فلا بأس به هذا إذا وجد وإلا فيشق سراويله ويتزر به أو قميصه ويتردى به ( جديدين أبيضين وهو ) أي الجديد الأبيض ( أفضل ) لقربه من الطهارة وفضل الأبيض . ( ولو كانا غسيلين ) طاهرين ( أو لو لبس ثوبا واحدا يستر عورته جاز ) لحصول المقصود لكن الأول هو السنة ( ويتطيب ) أي يسن له استعمال الطيب في بدنه قبيل الإحرام إن وجد قيدنا بالبدن إذ لا يجوز الطيب في الثوب بما يبقى أثره على الأصح وفي إطلاقه إشارة إلى شمول ما يبقى أثره كالمسك وما لا يبقى خلافا لمحمد في الأول ( ويصلي ) في موضع الإحرام ( ركعتين ) قرأ فيهما ما شاء والأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة : قل يا أيها الكافرون والإخلاص تبركا بفعله عليه الصلاة والسلام ولا يصلي في الوقت المكروه ولا يقضي ( فإن كان مفردا ) من الإفراد ( بالحج يقول عقيبهما ) أي الركعتين بلسانه مطابقا بجنانه ( اللهم إني أريد الحج فيسره لي ) ; لأني لا أقدر على هذه الأفعال إلا بتيسيرك ( وتقبله مني ) كما تقبلت من حبيبك وخليلك عليهما الصلاة والسلام حيث قال ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ( وإن نوى بقلبه ) لا بلسانه ( أجزأ ) لحصول المقصود لكن الأول أولى ولو نوى مطلق الحج يقع عن الفرض , ويشترط للأخرس أن يحرك لسانه مع النية . وفي المحيط تحريك لسانه مستحب ( ثم يلبي ) عقيب صلاته وهي أفضل عندنا , وعند الشافعي الأفضل أن يلبي حينما استوى على راحلته وعند مالك على البيداء وإنما اختلفوا لاختلاف الروايات في أول تلبيته عليه الصلاة والسلام روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "أنه عليه الصلاة والسلام لبى دبر صلاته" وابن عمر رضي الله تعالى عنهما "أنه لبى حينما استوى على راحلته" وجابر رضي الله عنه أنه "لبى حينما استوى على البيداء" وأصحابنا أخذوا برواية ابن عباس رضي الله عنهما ; لأنها محكمة في الدلالة على الأولوية وروايتهما محتملة لجواز أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يشهد أول تلبيته عليه السلام وإنما شهد تلبيته حال استوائه على راحلته فظن ذلك أول تلبيته وكذلك جابر رضي الله عنه ( فيقول لبيك اللهم لبيك ) والتثنية للتكرير وانتصابه بفعل مضمر ورد المزيد إلى الثلاثي ثم أضيف إلى ضمير الخطاب ومعناه أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب أو لزوما لطاعتك بعد لزوم من ألب بالمكان إذا قام به وهو إجابة لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الأظهر ; لأنه لما فرغ من بناء البيت أمر أن يدعوهم إليه فدعاهم على أبي قبيس فأسمع الله صوته الناس في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم فمن وافق بالتلبية مرة فقد حج مرة ومن زاد فزاد ومن لم يوافق بها أصلا لم يحج أصلا وقيل : الداعي هو الله أو الرسول عليه السلام ; لأنه دعاهم الله ورسوله إلى الحج ( لبيك لا شريك لك ) استئناف ( لبيك إن الحمد ) بكسر الهمز لا بفتحها ليكون ابتداء لا بناء وبالفتحة صفة للأول فكان المعنى أثني عليك بهذا الثناء ; لأن الحمد لك ولا كذلك إذا كسرت ; لأنه يصير استئنافا بمعنى التعليل كأنه قيل : لم تقول لبيك ؟ فقال : لأن الحمد لك وهو اختيار محمد ولا يخفى أن تعليق الإجابة التي لا نهاية لها بالذات أولى منه باعتبار الصفة وأراد بالصفة المتعلق بالغير لا النعت النحوي ( والنعمة لك ) خبر إن أو مخبر المبتدأ تقديره إن الحمد والنعمة مثبتان لك ( والملك ) كالنعمة ( لا شريك لك ) استئناف ( ولا ينقص منها ) أي هذه الكلمات ; لأنها مأثورة ( وتجوز الزيادة ) مثل لبيك وسعديك والخير بيديك والرغبا إليك إله الخلق لبيك غفار الذنوب لبيك ; لأن المقصود من التلبية الثناء فتجوز الزيادة به خلافا للشافعي في رواية ( فإذا لبى ) لم يعتبر مفهوم المخالف على ما عليه القاعدة من اعتباره من رواية الفقهية وذلك ; لأنه يصير محرما بكل ثناء وتسبيح يقصد به التعظيم في ظاهر المذهب ولو بالفارسية خلافا للشافعي ( ناويا ) للحج أو العمرة ( فقد أحرم ) فلا يصير محرما بالتلبية ما لم يأت بالنية أو ما يقوم مقامها من سوق الهدي وقد صح بالنية السابقة لكن الاقتران بالتلبية أفضل ( فليتق ) أي ليجتنب المحرم ( الرفث ) وهو الجماع وقيل : ذكر الجماع ودواعيه بحضرة النساء وإن لم يكن بحضرتهن فلا بأس وقيل الكلام القبيح ( والفسوق ) وهو المعاصي وهو في غير حالة الإحرام منهي عنه فكيف في الإحرام , ( والجدال ) وهو الخصام مع الرفقة والخدم والمكارين وما قيل : إنه مجادلة المشركين في تقديم الحج وتأخيره فليس المراد ها هنا ( وقتل صيد البر ) احتراز عن البحر فإنه جائز ( والإشارة إليه ) أي أن يشير إلى الصيد باليد ويقتضي الحضور ( والدلالة عليه ) أي أن يقول إن في مكان كذا صيدا وتقتضي الغيبة كما في أكثر الكتب لكن في تخصيص الإشارة باليد والدلالة بالقول المذكور نظر . تأمل ( وقتل القمل ) ; لأنه إزالة الشعث فيكون ارتفاقا ( والتطيب ) والدهن والتخضب بالحناء والرياحين والثمار الطيبة ( وقلم ) أي قطع ( الظفر ) بالضم أو بضمتين وبالكسر شاذ سواء قلمه بنفسه أو غيره بأمره أو قلم ظفر غيره إلا إذا انكسر بحيث لا ينمو فلا بأس به ( وحلق شعر رأسه ) كلا أو بعضا ( أو بدنه ) والمراد بحلق بدنه إزالة شعره بأي شيء من الحلق والقص والنتف والتنوير والإحراق من أي محمل كان من الجسد مباشرة أو تمكينا ولو قال أخذ الشعر لشمل الجميع ( وقص لحيته ) أي قطعها كلا أو بعضا ( وستر رأسه أو وجهه ) . وقال الشافعي : يجوز للرجل ستر الوجه ( وغسل رأسه أو لحيته بالخطمي ) ; لأنه نوع طيب فيجب الدم عند الإمام إن فعل وعندهما عليه صدقة ; لأنه ليس بطيب ولكنه يقتل الهوام وعن أبي يوسف روايتان أخريان أحدهما أنه لا شيء عليه وأخرى أنه يجب عليه دمان ( ولبس قميص أو سراويل أو قباء ) لبسا معتادا كما إذا أدخل اليد في كم القباء والقميص لنهيه عليه الصلاة والسلام عن لبس المخيط أما إذا ألقى على كتفيه قباء فجاز ( أو عمامة أو قلنسوة ) لما فيهما من تغطية الرأس , والظاهر أن ذكر ستر الرأس يغني عن ذكرهما ( أو خفين إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما من أسفل الكعبين ) أعني المفصلين اللذين وسط القدمين عند مقعد الشراك . ( و ) ليجتنب ( لبس ثوب صبغ بزعفران أو ورس أو عصفر ) خلافا للشافعي في المعصفر ( إلا ما غسل حتى لا ينفض ) واختلف الشراح في شرحه فقيل لا يفوح وقيل لا يتناثر , والثاني غير صحيح ; لأن العبرة للطيب لا للتناثر , ألا ترى أنه لو كان مصبوغا له رائحة طيبة ولا يتناثر منه شيء فإن المحرم يمنع عنه كما في المستصفى وعلى هذا لو قال ولبس ثوب صبغ بما له طيب إلا بعد زواله كما في الإصلاح لكان أخصر وأولى ( ويجوز له ) أي للمحرم ( الاغتسال ودخول الحمام ) بحيث لا يزيل الوسخ ولو قال الاستحمام لكان أشمل وأخصر . ( والاستظلال بالبيت والمحمل ) ; لأن عمر رضي الله تعالى عنه اغتسل وألقى على شجرة ثوبا واستظل وهو محرم لكن لم يصب رأسه ووجهه فلو أصاب أحدهما كره ( وشد الهميان ) بالكسر ما يجعل فيه الدراهم ويشد ( في وسطه ) . وقال مالك يكره ذلك إذا كان فيه نفقة غيره وكذا يجوز السيف والسلاح والمنطقة والتختم والاكتحال . وفي السراجية لو اكتحل بكحل فيه طيب مرة أو مرتين فعليه صدقة وإن أكثر فعليه دم ( ومقاتلة عدوه ) دفعا للضرر ( ويكثر التلبية ) ما استطاع فإنها سنة حال كونه ( رافعا بها صوته عقيب الصلوات وكلما علا شرفا ) بفتحتين أي مكانا مرتفعا ( أو هبط ) نزل . ( واديا ) أي حضيضا وإن كان في الأصل مسيلا فيه الماء ( أو لقي ركبا ) بالفتح والسكون هم أصحاب الإبل في السفر دون غيرها من الدواب ولا يطلق على ما دون العشرة وليس بجمع راكب كما توهم وإنما ذكر الركب إخراجا للكلام مخرج العادة لا للاحتراز . ( و ) يكثر المحرم التلبية ( بالأسحار ) ولو قال : أو أسحر أي دخل وقت السحر لكان أولى وهو سدس آخر الليل وهو المأثور والأصل في ذلك أن التلبية كالتكبير في الصلاة فيؤتى بها عند الانتقال من حال إلى حال ووقت الاستيقاظ .
فصل ( فإذا دخل مكة ) ليلا أو نهارا لكن النهار مستحب ( ابتدأ ) منها ( بالمسجد الحرام ) من جانب الشرقي من باب بني شيبة متواضعا خاشعا ملبيا ملاحظا جلالة البقعة مع التلطف بالمزاحم لما روي أن أول شيء بدأ به "النبي عليه الصلاة والسلام حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت" ومن هنا تبين أن الابتداء بالمسجد لا ينافيه تقديم ما لا بد منه في الدخول في المسجد والمراد من دخوله عليه الصلاة والسلام المسجد على الفور المستفاد من عبارة الراوي كما دخل مكة الدخول قبل الشروع بعمل آخر , ويقدم في دخوله رجله اليمنى ويقول : بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها واغلق عني أبواب معاصيك واجنبني العمل بها ( فإذا عاين ) المناسب بالواو ( البيت ) الحرام الواقع في وسط المسجد هو علم اتفاق لهذا المكان الشريف زاده الله تعالى شرفا اللهم يسر لي بتقبيل عتبته العلية بحرمة سيد الأنبياء والمرسلين وبحرمة جميع الزائرين آمين يا رب العالمين ( كبر ) أي يقول الله أكبر يعني من البيت وغيرها ( وهلل ) أي قال لا إله إلا الله تحرزا عن الوقوع في نوع شرك لعظمته ثم يرفع يديه بالدعاء ويقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا بفضلك دارك دار السلام تباركت ربنا وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام اللهم زد بيتك هذا تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وزد من عظمه وشرفه ومن حجه واعتمره تعظيما وتكريما وتشريفا وإيمانا ثم يسأل الله تعالى حاجته ; لأنه يستجاب إذا رآه , ومن أهم الأدعية طلب الجنة بلا حساب ومن أهم الأذكار هنا الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ولم يوقت محمد في المبسوط لمشاهد الحج شيئا من الدعوات فإن التعيين يذهب رقة القلب وإن تبرك بالمنقول منها فحسن وروي أن "رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا لقي البيت أعوذ برب البيت من الدين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر" ( وابتدأ بالحجر الأسود ) الذي كان أبيض مضيئا ما بين المشرق والمغرب ثم صار أسود ليحتجب أهل الدنيا عن زينة العقبى , والمرئي منه قدر شبر أربعة أصابع كما في القهستاني ( فاستقبله ) استحبابا هذا ما لم يكن عليه فائتة ولم يخف فوت المكتوبة أو الوتر أو السنة الراتبة أو الجماعة فإذا خشي قدم الصلاة على الطواف ( وكبر وهلل ) حال كونه ( رافعا يديه كالصلاة ) أي كما يرفع اليدين لها ثم يرسلهما وفي شرح الطحاوي أنه يجعل بطن كفيه نحو الحجر رافعا لهما حذاء منكبيه . وقال أبو يوسف في الإملاء يستقبل بباطن كفيه القبلة عند افتتاح الصلاة واستلام الحجر وقنوت الوتر وتكبيرات العيدين ويستقبل كفيه إلى السماء عند رفع الأيدي على الصفا والمروة وبعرفات وعند الجمر ( ويقبله ) أي الحجر بلا تصويت ( إن استطاع من غير إيذاء ) بأحد ( أو يستلمه ) إن لم يقدر عليه غير مؤذ , والاستلام عند الفقهاء : أن يضع كفيه على الحجر ويقبله بفمه ( أو يمسه ) إن لم يقدر عليه باليد غير مؤذ ( شيئا ) كائنا ( في يده ويقبله ) أي ذلك الشيء ( أو يشير إليه ) أي الحجر حال كونه ( مستقبلا ) إن لم يقدر عليه باليد غير مؤذ ( مكبرا مهللا حامدا لله تعالى مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ) ويقول بعد ذلك عند ابتداء الطواف : اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد عليه السلام لا إله إلا الله والله أكبر , اللهم إليك بسطت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل دعوتي وأقل عثرتي وارحم تضرعي وجد لي بمغفرتك وأعذني من معضلات الفتن .
( إن لم يدخل المحرم مكة ) سواء كان محرما من الميقات أو الحل ( وتوجه إلى عرفة ووقف بها ) على ما بيناه من أحكام الوقوف ( سقط عنه طواف القدوم ) حقيقة السقوط لا تكون إلا في اللازم لكن عبر به بطريق المجاز عن عدم سنية الإتيان به بعدما وقف بعرفة ; لأنه ما شرع إلا في ابتداء الأفعال ( ولا شيء عليه لتركه ) ; لأنه لا يجب بترك السنة الجابر .
لما فرغ من بيان أحكام المفرد بالحج شرع في بيان أحكام المركب وهو القران والتمتع والقران لغة مصدر قرن بين الحج والعمرة أي جمع بينهما فلا يظن أنه بيان الحكم قبل التعريف كما في القهستاني اعلم أن المحرمين أربعة مفرد بالحج وهو : أن يحرم من الميقات في أشهر الحج ويذكر الحج بلسانه عند التلبية ويقصد بقلبه أو لم يذكر بلسانه وينوي بقلبه كما بيناه ومفرد بالعمرة وهو أن يحرم من الميقات أو قبله في أشهر الحج أو قبلها ويذكر العمرة بلسانه عند التلبية أو يقصد بقلبه أو لم يذكر بلسانه وينوي بقلبه وقارن وهو أن يجمع بين إحرام الحج والعمرة في الميقات أو قبله في أشهر الحج أو قبلها ويذكر الحج والعمرة بلسانه عند التلبية أو يقصد بقلبه أو لم يذكرهما بلسانه وينويهما بقلبه ومتمتع وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج أو قبلها ثم يحج من عامه ذلك قبل أن يلم بأهله إلماما صحيحا ( القران أفضل ) من الإفراد والتمتع فحذف بقرينة قوله ( مطلقا ) والتمتع أفضل من الإفراد وهو ظاهر الرواية وروى ابن شجاع عن الإمام أن الإفراد أفضل من التمتع . وفي النظم : أن القران أفضل من التمتع عند الطرفين وأنهما سواء عند أبي يوسف . وقال الشافعي الإفراد أفضل ثم التمتع ثم القران وهو قول مالك على ما اختاره أشهب . وقال أحمد التمتع أفضل ثم الإفراد ثم القران كما في التبيين والمراد بالإفراد ها هنا إفراد كل واحد من العمرة والحج بسفر على حدة أي كونهما متقارنين أفضل من كونهما منفردين وأما كون القارن أفضل من الحج وحده فمما لا خلاف فيه ; لأن في القران الحج وزيادة ( وهو ) أي القران شرعا ( أن يهل بالعمرة والحج معا ) أي في زمان واحد أو مجتمعين ( من الميقات ) أو قبله في أشهر الحج أو قبلها , ووقع في بعض المتون أن يهل بالعمرة والحج من الميقات . وقال الزيلعي واشتراط الإهلال من الميقات وقع اتفاقا حتى لو أحرم بهما من دويرة أهله أو بعدما خرج من أهله قبل أن يصل الميقات جاز وصار قارنا وقال بعض الفضلاء ولا حاجة إلى الاعتذار ; لأنه يصدق على من أحرم من دويرة أهله أو بعدما خرج وأحرم قبل أن يصل إلى الميقات أنه أهل من الميقات بل الغرض بيان أنه لا يجوز من داخل الميقات , وأن القارن لا يكون إلا آفاقيا لكن المتبادر أن اللام في الميقات للعهد وهو المتبادر في هذا المقام فيصرف إليه فتكون عبارة المصنف أحسن ولله دره لعدم المحذور . تدبر ( ويقول ) القارن ( بعد الصلاة ) أي بعد الشفع الذي يصلي مريد الإحرام ( اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني ) وإنما قدم ذكر الحج على العمرة مع أن تقديم العمرة على الحج في الذكر مستحب عند الإهلال لموافقة القول الفعل تبركا بقوله تعالى
|